اليمن على حافة الجوع.. نقص التمويل الإنساني يفاقم أكبر أزمة إنسانية بالعالم

اليمن على حافة الجوع.. نقص التمويل الإنساني يفاقم أكبر أزمة إنسانية بالعالم
أطفال نازحون في اليمن

يشهد اليمن اليوم واحدة من أكثر اللحظات الإنسانية قسوة منذ اندلاع النزاع قبل عقد من الزمن، بعد أن أعلنت الأمم المتحدة عن فجوة تمويلية خطيرة تتجاوز 1.8 مليار دولار في خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2025، مما يهدد بانهيار البرامج الحيوية التي يعتمد عليها أكثر من ثلثي سكان البلاد للبقاء على قيد الحياة.

ووفقاً لبيان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإن التمويل المخصص حتى التاسع من نوفمبر الجاري بلغ 589.9 مليون دولار فقط، أي ما يعادل 23.8% من إجمالي الاحتياجات المقدرة بنحو 2.48 مليار دولار.

ومع هذه الأرقام، تبقى فجوة تمويلية تبلغ 1.89 مليار دولار، تهدد بإيقاف أو تقليص المساعدات الغذائية والصحية والتعليمية الطارئة لملايين الأشخاص في مختلف أنحاء البلاد، بحسب شبكة "بوابتي" الإخبارية.

أزمة في بلد منهك

منذ اندلاع الصراع في اليمن عام 2014، يعيش اليمنيون واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية تعقيداً في العالم، فقد خلفت الحرب عشرات الآلاف من القتلى وملايين النازحين، ودمرت البنية التحتية الصحية والتعليمية، فيما يعاني نحو 80% من السكان من الفقر ويحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية.

ويُقدر برنامج الأغذية العالمي أن أكثر من 17 مليون يمني يعانون انعدام الأمن الغذائي، بينهم نحو 6 ملايين يواجهون ظروفاً قريبة من المجاعة، بينما يهدد سوء التغذية الحاد حياة أكثر من مليوني طفل، كما تسبب تدهور النظام الصحي في عودة أوبئة مثل الكوليرا وحمى الضنك، في ظل عجز المستشفيات عن توفير الخدمات الأساسية.

وأكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن نقص التمويل سيؤدي إلى تقليص المساعدات الغذائية الشهرية التي يعتمد عليها ملايين اليمنيين، وإغلاق عشرات المراكز الصحية ومرافق التغذية التي تعمل في المناطق الريفية والنائية، وأشار المكتب إلى أن عدد المستفيدين من المساعدات الغذائية قد ينخفض بنسبة تصل إلى 40% خلال الأشهر المقبلة إذا لم تتوفر الموارد اللازمة.

وفي بيان رسمي، حذّر الأمين العام المساعد للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث من أن “اليمن يقف على حافة كارثة إنسانية جديدة بسبب نقص التمويل”، مؤكداً أن استمرار الفجوة التمويلية سيؤدي إلى تفاقم معاناة الفئات الأكثر ضعفاً، مثل النساء والأطفال والنازحين.

وأوضح غريفيث أن الجهات المانحة قدمت دعماً مهماً، إلا أن حجم المساعدات لا يزال بعيداً جداً عن تلبية الاحتياجات الفعلية. وأضاف أن “العالم لا يمكن أن يدير ظهره لليمن في لحظة يحتاج فيها الملايين إلى الدعم العاجل لإنقاذ حياتهم”.

تراجع التمويل الدولي

تعود أسباب الفجوة التمويلية الكبيرة إلى مجموعة من العوامل المتشابكة، أبرزها التباطؤ الاقتصادي العالمي الذي حدّ من قدرة الدول المانحة على تقديم الدعم، إضافة إلى تعدد الأزمات الإنسانية في مناطق مختلفة من العالم، مثل السودان وأوكرانيا وغزة، ما أدى إلى تشتت الموارد المخصصة للمساعدات الدولية.

كما تواجه الأمم المتحدة صعوبات سياسية في جمع التمويل نتيجة لتراجع الاهتمام الدولي بالأزمة اليمنية بعد سنوات من الجمود السياسي والعسكري، إذ لم تحقق محادثات السلام الأخيرة تقدماً ملموساً نحو تسوية شاملة، ويؤكد خبراء الإغاثة أن ما يسمى "إرهاق المانحين"، بات أحد العوائق الأساسية أمام استمرار الدعم بنفس الوتيرة السابقة.

ويحذر العاملون في منظمات الإغاثة من أن استمرار النقص في التمويل سيترك آثاراً مباشرة على حياة المدنيين، لا سيما في المحافظات الأكثر هشاشة مثل الحديدة وتعز وصعدة، ويقول العاملون في القطاع الإنساني إن برامج المياه والصرف الصحي مهددة بالتوقف، ما ينذر بعودة تفشي الأمراض المعدية. كما أن نقص الوقود والإمدادات الطبية يهدد بإغلاق مستشفيات تعتمد على دعم المنظمات الدولية.

ويشير تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من 11 مليون يمني لا يحصلون على الرعاية الصحية الأساسية، بينما توقفت خدمات التطعيم في عشرات المناطق بسبب نقص التمويل، وفي المقابل، تزداد أعداد النازحين الداخليين الذين تجاوزوا 4.5 ملايين شخص، يعيش كثير منهم في مخيمات لا تتوفر فيها سوى خدمات محدودة للغاية.

مواقف المنظمات الحقوقية

أبدت منظمات دولية مثل الصليب الأحمر ومنظمة أوكسفام ومنظمة العفو الدولية قلقها البالغ من العواقب الإنسانية للفجوة التمويلية، محذرة من أن تقليص المساعدات يعني في الواقع "حكمًا بالموت البطيء" على ملايين المدنيين. 

ودعت هذه المنظمات المجتمع الدولي إلى الالتزام بمسؤولياته الأخلاقية والقانونية تجاه اليمنيين، وفقاً لمبادئ القانون الإنساني الدولي الذي يوجب حماية المدنيين في أوقات النزاع.

كما أكدت المفوضية السامية لحقوق الإنسان أن استمرار تدهور الوضع الإنساني دون استجابة كافية من المجتمع الدولي يشكل إخلالاً بالتزامات الدول تجاه حقوق الإنسان الأساسية، لا سيما الحق في الحياة والغذاء والصحة، وطالبت المفوضية الدول المانحة بمضاعفة جهودها لضمان تمويل مستدام وشامل، يضمن استمرارية العمليات الإنسانية في البلاد.

وتنعكس الأزمة التمويلية أيضاً على الاقتصاد المحلي الهش، إذ يعتمد جزء كبير من دخل الأسر اليمنية على المساعدات النقدية والغذائية، ومع توقف هذه المساعدات، ترتفع معدلات الفقر والبطالة، وتزداد معدلات النزوح والهجرة الداخلية، مما يخلق حلقة مفرغة من المعاناة يصعب كسرها دون دعم دولي فعّال.

كما تؤثر الأزمة على التعليم، إذ تشير تقارير اليونيسف إلى أن نحو مليوني طفل يمني خارج المدارس بسبب النزاع والفقر، ومع تراجع التمويل، قد يتوقف دعم برامج التعليم الطارئ، ما يهدد جيلاً كاملاً بالحرمان من حقه في التعليم.

عقد من الانهيار الإنساني

منذ عام 2015، أطلقت الأمم المتحدة أكثر من عشر خطط استجابة إنسانية لليمن، جمعت خلالها مليارات الدولارات، لكنها لم تنجح في تلبية سوى جزء من الاحتياجات الفعلية، وتظهر بيانات الأمم المتحدة أن مستويات التمويل تراجعت تدريجياً منذ عام 2020، حين كانت الخطة تحصل على أكثر من 60% من متطلباتها، لتصل اليوم إلى أقل من ربعها فقط.

ويعزو المراقبون هذا التراجع إلى تغيّر أولويات المانحين وتزايد الأزمات العالمية، فضلاً عن صعوبات العمل الميداني داخل اليمن بسبب الانقسام السياسي وقيود الوصول المفروضة على المنظمات الإنسانية.

يرى محللون أن معالجة الفجوة التمويلية تتطلب تحولاً جذرياً في طريقة إدارة المساعدات الإنسانية في اليمن، عبر ربطها ببرامج تنموية طويلة الأمد تخلق فرص عمل وتعيد بناء البنية التحتية المنهارة، كما دعا خبراء الأمم المتحدة إلى توسيع قاعدة المانحين لتشمل القطاع الخاص والمؤسسات الإقليمية، وتعزيز الشفافية والمساءلة في توزيع المساعدات لضمان وصولها إلى المستحقين فعلاً.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية